وكأننا لا نتعلم الدرس أبدا،* فمن ريان سنة* 90* إلي بوشي* 2009* والمصريون دوما يبحثون عمن ينصب عليهم ليضيعوا أموالهم ومدخراتهم علي أيديهم ليهربوها إلي بنوك الخارج ونظل نشاهدها ونتحسر عليها في كل مرة*.
ومابين الريان والسعد والشريف والهدي وأخيرا البوشي نجد أن المصريين لايتعلمون وكأننا أصبحنا نهوي النصب علينا*. تاريخ شركات توظيف الأموال الحافل بجرائم النصب والاحتيال لم يكن كافيا ليمنع أكثر من* 84* شخصا أغلبهم من صفوة رجال المجتمع أمثال حسن الجبلي شقيق وزير الصحة والسكان الدكتور حاتم الجبلي ونائب رئيس النادي الأهلي محمود الخطيب والفنانة ليلي علوي وأيضا حسين ومصطفي فهمي* وإبراهيم شوشة وماجد شنودة وأحمد الرشيدي وغيرهم من إيداع مبالغ* قاربت قيمتها من الـ* 350* مليون دولار مجتمعة وكان مصيرها في النهاية النهب والضياع استكمالا لمسلسل النصب باسم شركات توظيف الأموال*.
الدرس* يتكرر* يومياً* ولانتعلم شيئاً
لو أننا عدنا بالذاكرة للوراء قليلا سنكتشف أن هروب البوشي واستيلاءه علي أموال المودعين ماهو إلا صورة كربونية من جرائم نصب مماثلة بدأها الريان وأبناؤه الثلاثة فتحي وأحمد ومحمد توفيق الريان الذين جمعوا مبالغ* وصلت إلي* 2* مليار جنيه علي أمل منح المودعين أرباحا شهرية* 3٪* وفجأة تعثر الريان ومات فتحي الريان في فيللته وعوقب شقيقه أحمد توفيق الريان بالسجن* 15* عاما وغرامة مليون جنيه وغرامة مالية علي شقيقه الثالث محمد قدرها* 10* آلاف جنيه فيما خرج الأب بريئا ومعه باقي المتهمين*.
وبعد أزمة الريان حدثت أزمة أشرف السعد بنفس السيناريو المتكرر،* وتلتها أزمة شركة الشريف للتنمية الاقتصادية وكانت هي أول شركة تحصل علي موافقة هيئة سوق المال لتعمل في مجال تلقي الأموال لاستثمارها وفقا لأحكام القانون* 146* لسنة* 1988* إلا أن الحال لم يتغير كثيرا وتعرضت شركة الشريف لنفس ماحدث مع الريان والسعد وأيضا ماحدث مع طارق أبوحسين* رئيس مجلس إدارة الهدي مصر لتستمر فصول المسلسل وتصل حلقاته إلي بطل جديد هو نبيل البوشي رجل الأعمال والملياردير المعروف والذي لم يتهاون هو الآخر في تمثيل دوره بنجاح واتقان وحصد الملايين من وراء الطامعين في مكسب سريع وفر هاربا للخارج،* ولايزال المسئولون يحاولون الكشف عن أرصدة حساباته السرية في بنوك الخارج وطلب النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود دولة الإمارات بسرعة تسليمه للسلطات المصرية بعد توقيفه البوشي في الإمارات*.
وبعيدا عن شخصيات النصابين الهاربين أو المحبوسين أو حتي القادمين لاستكمال المسلسل حتما،* يبقي السؤال المحير لماذا لم نتعلم الدرس؟ ولماذا يصر المصريون علي إيداع أموالهم لدي أشخاص لايعرفون عنهم شيئا ودع "الريان" أشهر سجناء السجون المصرية حياة الزنزانات، وخرج من محبسه بعد 23 سنة قضاها قابعاً خلف قضبان الحديد، وذلك عقب الإفراج عنه سابع أيام شهر رمضان بعد قضائه عقوبة الحبس فى قضية شيك بدون رصيد، بالإضافة إلى تصالح المدعى عليه معه بعد سداد القيمة، وسداده مبلغ 200 ألف جنيه من مبلغ المديونية الأصلية عليه المقدر بـ 900 ألف جنيه وموافقة النائب العام على سداد باقى المبلغ على 3 أشهر.
كانت البداية عندما أولت الحكومة المصرية اهتماماً بملف "أحمد توفيق عبد الفتاح الريان" المعروف إعلامياً بـ"الريان"، فى مطلع سبتمبر سنة 1989، فتم فتح ملفه، بعدما اكتشفت الحكومة أن أموال المودعين التى حصل عليها الريان وأسرته تحولت إلى سراب - على حد التحقيقات الرسمية فى ذلك الوقت – حيث قيل إن آل الريان نهبوا أموالهم وغامروا بها فى البورصات العالمية، وحولوا جزءاً كبيراً منها إلى الولايات المتحدة والبنوك الأجنبية، وبلغ ما تم تحويله طبقاً للأرقام المعلنة رسمياً التى كشف عنها المدعى العام الاشتراكى وقتها 3 مليارات و280 مليون جنيه، وأشارت المعلومات إلى أن هناك مسئولين ورجال دين وإعلاميين تورطوا مع "آل الريان" وساهموا فى تهريب هذه الأموال مقابل حصولهم على ما كان يسمى وقتها بـ"كشوف البركة"، تحت بند تسهيل وتخليص مصالح شركات توظيف الأموال فى المؤسسات الحكومية.
ومن هنا دب الخلاف بين الحكومة و"الريان"، خاصة بعد فضيحة صفقة الذرة الصفراء، التى تمت بين شركات "الريان" وبنك التنمية والائتمان الزراعى عام 1986، 1987 وهى الصفقة التى أدت إلى وجود أزمة فى المحصول الرئيسى للبلاد، وتفاقمت أزمات "الريان" بعد ذلك، لتبدأ نوبة ما وصف بـ "صحوة الحكومة المصرية" ومطاردة "الريان" عن طريق فتح ملفه الأسود، وتقديمه للمحاكمة بتهمة وحيدة وهى تلقى أموال مخالفة للقانون رقم 246 لسنة 1988، الذى طبقته حكومة د.عاطف صدقى والخاص بتوفيق أوضاع شركات توظيف الأموال، بالرغم من عدم تطبيق القانون قبلها، وأعطت الحكومة لهذه الشركات مهلة لتوفيق أوضاعها ورد أموال المودعين.
تناقلت الشائعات بعد ذلك بأن الدولة والحكومة تحركا فقط عندما ردد "آل الريان" أنهم استطاعوا أن يكونوا دولة داخل الدولة، ولم تتوقف عمليات نصبهم على المواطنين بل تخطتهم وصولاً إلى بنك التنمية الزراعية، ولم يكن التدخل بهدف حماية مصالح المودعين فقط، بدليل أنه خلال عهد حكومات عاطف صدقى وكمال الجنزورى وعاطف عبيد وأحمد نظيف ظلت مشكلة المودعين بدون حل، ولم يحصل أغلبهم إلا على 50% فقط من مستحقاتهم بدون فوائد، أى أن أنهم حصلوا على 10% من أموالهم فقط.
وكانت نتائج كل ذلك حبس "الريان" سنة 1989 فى قضية توظيف الأموال الشهيرة، حيث حكم عليه بالحبس لمدة 15 سنة، والتى قضاها "الريان" قابعاً خلف القضبان حتى انتهت الـ15 سنة، إلا أن وزارة الداخلية استمرت فى اعتقاله بعدها لفترة طويلة اعتقاداً منها بأنه لديه المزيد من الأموال التى يجب إعادتها للمودعين.
وفى مارس 2009 تم الحكم عليه فى قضية شيك، ونظراً لأنه لم يحضر أى محام الجلسة، فحكم عليه بسنة غيابياً، وتم عمل استشكال وبالفعل تم إيقاف التنفيذ يوم 29 ديسمبر 2009، ويوم 30 من نفس الشهر أرسلت الداخلية فاكساً إلى مصلحة السجون تخطرهم فيه بالإفراج نهائياً عن "الريان"، إلا أنه ظهرت عليه قضية جديدة وحكم عليه فيها بالسجن 3 سنوات لتحريره شيكاً بدون رصيد بمبلغ 5 آلاف جنيه، إلا أنه تم التصالح عليه، وأوقف تنفيذ العقوبة وصدر له حكم الإفراج النهائى.
أكدت مصادر فى ذلك الوقت أن الريان وعائلته بدأوا نشاطهم التجارى فى مجالات مجهولة، وسرعان ما ظهرت عليهم علامات التدين، خاصة بعدما التحى الأب والشقيق الأكبر أحمد الريان مرتدين الملابس الأفغانية، ليدخلوا عهداً جديداً من التدين والمحافظة على الصلاة، إلا أن ذلك لم يمنعهم من احتراف تجارة العملة بجميع أنواعها، وصولاً إلى توظيف الأموال الإسلامية والتى جنوا منها ملايين الجنيهات.
وكانت الكارثة عندما أعلن رسميا أن الحكومة اكتشفت أن أحمد الريان حول إلى بنوك سويسرا ٥٥٠ مليون دولار، الأمر الذى جعل الحكومة تعتقله وتخيره بين أمرين إما السجن أو إعادة الأموال المودعة باسمه داخل أروقة بنوك سويسرا، إلا أنه بدأ يلاعب السلطات عن طريق تقديم تفويض لهم غير متكامل لتحويل الأرصدة إلى مصر، ومن ثم سافرت وفود متعددة فحاول مسئولو أمواله رشوة الوفود القادمة من مصر إلى سويسرا أكثر من مرة، فى محاولة من الريان لكسب جزء من الوقت حتى يتمكن من الهروب خارج مصر، إلا أن أحلامه فى الهروب تبخرت، وطلب من الحكومة حبسه بحجة أنه لا يمتلك أموال ليصدر الحكم ضده بالحبس.
وفى سياق متصل اقتنص اليوم السابع حواراً مع "الريان" أثناء خروجه من محبسه وجه فيه خالص شكره وتقديره إلى اللواء حبيب العادلى وزير الداخلية لحسن معاملته طوال الـ23 سنة التى قضاها خلف القضبان، حيث لم يتم انتهاك حريته، كما شكر النائب العام المستشار عبد المجيد محمود لقراراته الصارمة فى قضيته، وأبدى فرحته بخروجه من محبسه فى شهر رمضان المعظم، وقال مداعباً: سيظل اسمى يتردد على مدار التاريخ، فكلما ظهر متهم فى أية محافظة واستولى على أموال المواطنين أطلقوا عليه اسم "الريان" تتويجاً لاسمى، وواصل قائلاً إنه دخل السجن فى ريعان شبابه وتم تجسيد شخصيته فى السينما وجنى الفنانين العديد من الجوائز باسمه، بالرغم من أنه لم يزل خلف القضبان، ومع ذلك أصر قبل خروجه أن يعلن عن عفوه عن جميع من ظلموه ويشهد الله على ذلك.
الغريب فى الأمر أن "الريان" هذا المصطلح الذى هدد اقتصاد مصر ردحاً من الزمان واكتست بصوره الصفحات الأولى للصحف والجرائد، ظهرت على ملامح وجهه علامات المرض والإعياء عقب خروجه من محبسه.