مهما نقول من كلمات مش هنقدر نوفى للشيخ حقة وتعالوا معاية نلقى نظرة على حياتة الكريمة
الشيخ الشعراوي
عرفبأسلوبه العذب البسيط في تفسير القرآن، وكان تركيزه على النقاط الإيمانيةفي تفسيره جعله يقترب من قلوب الناس، وبخاصة وأن أسلوبه يناسب جميعالمستويات والثقافات.
إنه الشيخ محمد متولي الشعراوي أشهر من فسر القرآن في عصرنا.
مولده وتعليمه
ولدفضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي في 5 أبريل عام 1911 م بقرية دقادوس مركزميت غمر بمحافظة الدقهلية وحفظ القرآن الكريم في الحادية عشرة من عمره.
فيعام 1926 م التحق الشيخ الشعراوي بمعهد الزقازيق الابتدائي الأزهري، وأظهرنبوغاً منذ الصغر في حفظه للشعر والمأثور من القول والحكم، ثم حصل علىالشهادة الابتدائية الأزهرية سنة 1923م، ودخل المعهد الثانوي، وزاداهتمامه بالشعر والأدب، و حظى بمكانة خاصة بين زملائه، فاختاروه رئيسًالاتحاد الطلبة، ورئيسًا لجمعية الأدباء بالزقازيق، وكان معه في ذلك الوقتالدكتور محمد عبد المنعم خفاجى، والشاعر طاهر أبو فاشا، والأستاذ خالدمحمد خالد والدكتور أحمد هيكل والدكتور حسن جاد، وكانوا يعرضون عليه مايكتبون.
وكانت نقطة تحول في حياة الشيخ الشعراوي، عندما أراد لهوالده إلحاقه بالأزهر الشريف بالقاهرة، وكان الشيخ الشعراوي يود أن يبقىمع إخوته لزراعة الأرض، ولكن إصرار الوالد دفعه لاصطحابه إلى القاهرة،ودفع المصروفات وتجهيز المكان للسكن.
فما كان من الشيخ إلا أناشترط على والده أن يشتري له كميات من أمهات الكتب في التراث واللغة وعلومالقرآن والتفاسير وكتب الحديث النبوي الشريف، كنوع من التعجيز حتى يرضىوالده بعودته إلى القرية.
لكن والده فطن إلى تلك الحيلة، واشترى لهكل ما طلب قائلاً له: أنا أعلم يا بني أن جميع هذه الكتب ليست مقررة عليك،ولكني آثرت شراءها لتزويدك بها كي تنهل من العلم.
فما كان أمام الشيخ إلا أن يطيع والده، ويتحدى رغبته في العودة إلى القرية، فأخذ يغترف من العلم، ويلتهم منه كل ما تقع عليه عيناه.
والتحقالشعراوي بكلية اللغة العربية سنة 1937م، وانشغل بالحركة الوطنية والحركةالأزهرية، فثورة سنة 1919م اندلعت من الأزهر الشريف، ومن الأزهر خرجتالمنشورات التي تعبر عن سخط المصريين ضد الإنجليز المحتلين. ولم يكن معهدالزقازيق بعيدًا عن قلعة الأزهر الشامخة في القاهرة، فكان الشيخ يزحف هووزملائه إلى ساحات الأزهر وأروقته، ويلقى بالخطب مما عرضه للاعتقال أكثرمن مرة، وكان وقتها رئيسًا لاتحاد الطلبة سنة 1934م.
التدرج الوظيفي
تخرج الشيخ عام 1940 م، وحصل على العالمية مع إجازة التدريس عام 1943م.
بعدتخرجه عين الشعراوي في المعهد الديني بطنطا، ثم انتقل بعد ذلك إلى المعهدالديني بالزقازيق ثم المعهد الديني بالإسكندرية وبعد فترة خبرة طويلةانتقل الشيخ الشعراوي إلى العمل في السعودية عام 1950 ليعمل أستاذًاللشريعة بجامعة أم القرى.
ولقد اضطر الشيخ الشعراوي أن يدرِّس مادةالعقائد رغم تخصصه أصلاً في اللغة وهذا في حد ذاته يشكل صعوبة كبيرة إلاأن الشيخ الشعراوي استطاع أن يثبت تفوقه في تدريس هذه المادة لدرجة كبيرةلاقت استحسان وتقدير الجميع. وفي عام 1963 حدث الخلاف بين الرئيس جمال عبدالناصر وبين الملك سعود. وعلى أثر ذلك منع الرئيس عبد الناصر الشيخالشعراوي من العودة ثانية إلى السعودية وعين في القاهرة مديرًا لمكتب شيخالأزهر الشريف الشيخ حسن مأمون. ثم سافر بعد ذلك الشيخ الشعراوي إلىالجزائر رئيسًا لبعثة الأزهر هناك ومكث بالجزائر حوالي سبع سنوات قضاها فيالتدريس وأثناء وجوده في الجزائر حدثت نكسة يونيو 1967، وقد تألم الشيخالشعراوي كثيرًا لأقسى الهزائم العسكرية التي منيت بها مصر والأمة العربيةوحين عاد الشيخ الشعراوي إلى القاهرة وعين مديرًا لأوقاف محافظة الغربيةفترة، ثم وكيلا للدعوة والفكر، ثم وكيلاً للأزهر ثم عاد ثانية إلى المملكةالعربية السعودية، حيث قام بالتدريس في جامعة الملك عبد العزيز.
وفينوفمبر 1976م اختار السيد ممدوح سالم رئيس الوزراء آنذاك أعضاء وزارته،وأسند إلى الشيخ الشعراوي وزارة الأوقاف وشئون الأزهر. فظل الشعراوي فيالوزارة حتى أكتوبر عام 1978م.
وبعد أن ترك بصمة طيبة على جبينالحياة الاقتصادية في مصر، فهو أول من أصدر قرارًا وزاريًا بإنشاء أول بنكإسلامي في مصر وهو (بنك فيصل) حيث إن هذا من اختصاصات وزير الاقتصاد أوالمالية (د. حامد السايح في هذه الفترة)، الذي فوضه، ووافقه مجلس الشعبعلى ذلك.
وقال في ذلك: إنني راعيت وجه الله فيه ولم أجعل في باليأحدًا لأنني علمت بحكم تجاربي في الحياة أن أي موضوع يفشل فيه الإنسان أوتفشل فيه الجماعة هو الموضوع الذي يدخل هوى الشخص أو أهواء الجماعات فيه.أما إذا كانوا جميعًا صادرين عن هوى الحق وعن مراده، فلا يمكن أبدًا أنيهزموا، وحين تدخل أهواء الناس أو الأشخاص، على غير مراد الله، تتخلى يدالله.
وفي سنة 1987م اختير فضيلته عضواً بمجمع اللغة العربية (مجمعالخالدين). وقرَّظه زملاؤه بما يليق به من كلمات، وجاء انضمامه بعد حصولهعلى أغلبية الأصوات (40عضوًا). وقال يومها: ما أسعدني بهذا اللقاء، الذيفرحت به فرحًا على حلقات: فرحت به ترشيحًا لي، وفرحت به ترجيحًا لي، وفرحتبه استقبالاً لي، لأنه تكريم نشأ عن إلحاق لا عن لحوق، والإلحاق استدعاء،أدعو الله بدعاء نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أستعيذك من كلعمل أردت به وجهك مخالطاً فيه غيرك. فحين رشحت من هذا المجمع آمنت بعد ذلكأننا في خير دائم، وأننا لن نخلو من الخير ما دام فينا كتاب الله، سألنيالبعض: هل قبلت الانضمام إلى مجمع الخالدين، وهل كتب الخلود لأحد؟ وكانردي: إن الخلود نسبي، وهذا المجمع مكلف بالعربية، واللغة العربية للقرآن،فالمجمع للقرآن، وسيخلد المجمع بخلود القرآن.
أسرة الشعراوي
تزوجالشيخ الشعراوي وهو في الابتدائية بناء على رغبة والده الذي اختار لهزوجته، ووافق الشيخ على اختياره، وكان اختيارًا طيبًا لم يتعبه في حياته،وأنجب الشعراوي ثلاثة أولاد وبنتين، الأولاد: سامي وعبد الرحيم وأحمد،والبنتان فاطمة وصالحة. وكان الشيخ يرى أن أول عوامل نجاح الزواج هوالاختيار والقبول من الطرفين. وعن تربية أولاده يقول: أهم شيء في التربيةهو القدوة، فإن وجدت القدوة الصالحة سيأخذها الطفل تقليدًا، وأي حركة عنسلوك سيئ يمكن أن تهدم الكثير.
فالطفل يجب أن يرى جيدًا، وهناك فرقبين أن يتعلم الطفل وأن تربي فيه مقومات الحياة، فالطفل إذا ما تحركتملكاته وتهيأت للاستقبال والوعي بما حوله، أي إذا ما تهيأت أذنه للسمع،وعيناه للرؤية، وأنفه للشم، وأنامله للمس، فيجب أن نراعي كل ملكاتهبسلوكنا المؤدب معه وأمامه، فنصون أذنه عن كل لفظ قبيح، ونصون عينه عن كلمشهد قبيح.
وإذا أردنا أن نربي أولادنا تربية إسلامية، فإن عليناأن نطبق تعاليم الإسلام في أداء الواجبات، وإتقان العمل، وأن نذهب للصلاةفي مواقيتها، وحين نبدأ الأكل نبدأ باسم الله، وحين ننتهي منه نقول: الحمدلله.. فإذا رآنا الطفل ونحن نفعل ذلك فسوف يفعله هو الآخر حتى وإن لمنتحدث إليه في هذه الأمور، فالفعل أهم من الكلام.
الجوائز التي حصل عليها
منحالإمام الشعراوي وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى لمناسبة بلوغه سنالتقاعد في 15/4/1976 م قبل تعيينه وزيرًا للأوقاف وشئون الأزهر.
ومنح وسام الجمهورية من الطبقة الأولى عام 1983م وعام 1988م، ووسام في يوم الدعاة.
حصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب من جامعتي المنصورة والمنوفية.
اختارتهرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة عضوًا بالهيئة التأسيسية لمؤتمرالإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية، الذي تنظمه الرابطة،وعهدت إليه بترشيح من يراهم من المحكمين في مختلف التخصصات الشرعيةوالعلمية، لتقويم الأبحاث الواردة إلى المؤتمر.
أعدت حوله عدةرسائل جامعية منها رسالة ماجستير عنه بجامعة المنيا ـ كلية التربية ـ قسمأصول التربية، وقد تناولت الرسالة الاستفادة من الآراء التربوية لفضيلةالشيخ الشعراوي في تطوير أساليب التربية المعاصرة في مصر.
جعلتهمحافظة الدقهلية شخصية المهرجان الثقافي لعام 1989م والذي تعقده كل عاملتكريم أحد أبنائها البارزين، وأعلنت المحافظة عن مسابقة لنيل جوائزتقديرية وتشجيعية، عن حياته وأعماله ودوره في الدعوة الإسلامية محليًا،ودوليًا، ورصدت لها جوائز مالية ضخمة.
مؤلفات الشيخ الشعراوي
للشيخالشعراوي عدد من المؤلفات، قام عدد من محبيه بجمعها وإعدادها للنشر، وأشهرهذه المؤلفات وأعظمها تفسير الشعراوي للقرآن الكريم، ومن هذه المؤلفات:
الإسراء والمعراج.
أسرار بسم الله الرحمن الرحيم.
الإسلام والفكر المعاصر.
الإسلام والمرأة، عقيدة ومنهج.
الشورى والتشريع في الإسلام.
الصلاة وأركان الإسلام.
الطريق إلى الله.
الفتاوى.
لبيك اللهم لبيك.
100 سؤال وجواب في الفقه الإسلامي.
المرأة كما أرادها الله.
معجزة القرآن.
من فيض القرآن.
نظرات في القرآن.
على مائدة الفكر الإسلامي.
القضاء والقدر.
هذا هو الإسلام.
المنتخب في تفسير القرآن الكريم.
الشاعر
عشق الشيخ الشعراوي ـ رحمه الله ـ اللغة العربية، وعرف ببلاغة كلماته معبساطة في الأسلوب، وجمال في التعبير، ولقد كان للشيخ باع طويل مع الشعر،فكان شاعرا يجيد التعبير بالشعر في المواقف المختلفة، وخاصة في التعبير عنآمال الأمة أيام شبابه، عندما كان يشارك في العمل الوطني بالكلمات القويةالمعبرة، وكان الشيخ يستخدم الشعر أيضاً في تفسير القرآن الكريم، وتوضيحمعاني الآيات، وعندما يتذكر الشيخ الشعر كان يقول "عرفوني شاعراً"
وعنمنهجه في الشعر يقول: حرصت على أن أتجه في قصائدي إلى المعنى المباشر منأقصر طريق.. بغير أن أحوم حوله طويلا.. لأن هذا يكون الأقرب في الوصول إلىأعماق القلوب. خاصة إذا ما عبرت الكلمات بسيطة وواضحة في غير نقص. وربماهذا مع مخاطبتي للعقل هو ما يغلب على أحاديثي الآن للناس.
يقول في قصيدة بعنوان "موكب النور":
أريحي السمــاح والإيثـار*****لك إرث يا طيبة الأنـوار
وجلال الجمال فيـك عريق*****لا حرمنا ما فيه من أسـرار
تجتلي عندك البصائر معنى*****فوق طوق العيون والأبصار
الشعر ومعاني الآيات
ويتحدثإمام الدعاة فضيلة الشيخ الشعراوي في مذكراته التي نشرتها صحيفة الأهرامعن تسابق أعضاء جمعية الأدباء في تحويل معاني الآيات القرآنية إلى قصائدشعر. كان من بينها ما أعجب بها رفقاء الشيخ الشعراوي أشد الإعجاب إلى حدطبعها على نفقتهم وتوزيعها. يقول إمام الدعاة ومن أبيات الشعر التي اعتزبها، ما قلته في تلك الآونة في معنى الرزق ورؤية الناس له. فقد قلت:
تحرى إلى الرزق أسبابه
فإنـك تجـهل عنـوانه
ورزقـك يعرف عنوانك
وعندماسمع سيدنا الشيخ الذي كان يدرس لنا التفسير هذه الأبيات قال لي: يا ولدهذه لها قصة عندنا في الأدب. فسألته: ما هي القصة: فقال: قصة شخص اسمهعروة بن أذينة.. وكان شاعرا بالمدينة وضاقت به الحال، فتذكر صداقته معهشام بن عبد الملك.. أيام أن كان أمير المدينة قبل أن يصبح الخليفة. فذهبإلى الشام ليعرض تأزم حالته عليه لعله يجد فرجا لكربه. ولما وصل إليهاستأذن على هشام ودخل. فسأله هشام كيف حالك يا عروة؟. فرد: والله إن الحالقد ضاقت بي.. فقال لي هشام: ألست أنت القائل:
لقد علمت وما الإشراق من خلقي***إن الذي هـو رزقي سوف يأتيني
واستطردهشام متسائلا: فما الذي جعلك تأتي إلى الشام وتطلب مني.. فأحرج عروة الذيقال لهشام: جزاك الله عني خيرا يا أمير المؤمنين.. لقد ذكرت مني ناسيا،ونبهت مني غافلا.. ثم خرج..
وبعدها غضب هشام من نفسه لأنه رد عروةمكسور الخاطر.. وطلب القائم على خزائن بيت المال وأعد لعروة هدية كبيرةوحملوها على الجمال.. وقام بها حراس ليلحقوا بعروة في الطريق.. وكلماوصلوا إلى مرحلة يقال لهم: كان هنا ومضى. وتكرر ذلك مع كل المراحل إلى أنوصل الحراس إلى المدينة.. فطرق قائد الركب الباب وفتح له عروة.. وقال له:أنا رسول أمير المؤمنين هشام.. فرد عروة: وماذا أفعل لرسول أمير المؤمنينوقد ردني وفعل بي ما قد عرفتم ؟..
فقال قائد الحراس: تمهل يا أخي..إن أمير المؤمنين أراد أن يتحفك بهدايا ثمينة وخاف أن تخرج وحدك بها..فتطاردك اللصوص، فتركك تعود إلى المدينة وأرسل إليك الهدايا معنا.. وردعروة: سوف أقبلها ولكن قل لأمير المؤمنين لقد قلت بيتا ونسيت الآخر..فسأله قائد الحراس:
ما هو ؟.. فقال عروة:
أسعى له فيعييني تطلبه*** ولو قعدت أتاني يعينني
وهذا يدلك ـ فيما يضيفه إمام الدعاة ـ على حرص أساتذتنا على أن ينمو في كل إنسان موهبته، ويمدوه بوقود التفوق.
مواقف وطنية
ويرويإمام الدعاة الشيخ الشعراوي في مذكراته وقائع متفرقة الرابط بينها أبياتمن الشعر طلبت منه وقالها في مناسبات متنوعة.. وخرج من كل مناسبة كما هيعادته بدرس مستفاد ومنها مواقف وطنية.
يقول الشيخ: و أتذكر حكايةكوبري عباس الذي فتح على الطلاب من عنصري الأمة وألقوا بأنفسهم في مياهالنيل شاهد الوطنية الخالد لأبناء مصر. فقد حدث أن أرادت الجامعة إقامةحفل تأبين لشهداء الحادث ولكن الحكومة رفضت.. فاتفق إبراهيم نور الدينرئيس لجنة الوفد بالزقازيق مع محمود ثابت رئيس الجامعة المصرية على أنتقام حفلة التأبين في أية مدينة بالأقاليم. ولا يهم أن تقام بالقاهرة..ولكن لأن الحكومة كان واضحا إصرارها على الرفض لأي حفل تأبين فكان لابد منالتحايل على الموقف.. وكان بطل هذا التحايل عضو لجنة الوفد بالزقازيق حمديالمرغاوي الذي ادعى وفاة جدته وأخذت النساء تبكي وتصرخ.. وفي المساء أقامسرادقا للعزاء وتجمع فيه المئات وظنت الحكومة لأول وهلة أنه حقا عزاء..ولكن بعد توافد الأعداد الكبيرة بعد ذلك فطنت لحقيقة الأمر.. بعد أن أفلتزمام الموقف وكان أي تصد للجماهير يعني الاصطدام بها.. فتركت الحكومةاللعبة تمر على ضيق منها.. ولكنها تدخلت في عدد الكلمات التي تلقى لكيلاتزيد للشخص الواحد على خمس دقائق.. وفي كلمتي بصفتي رئيس اتحاد الطلبةقلت: شباب مات لتحيا أمته وقبر لتنشر رايته وقدم روحه للحتف والمكانقربانا لحريته ونهر الاستقلال.. ولأول مرة يصفق الجمهور في حفل تأبين.وتنازل لي أصحاب الكلمة من بعدي عن المدد المخصصة لهم.. لكي ألقى قصيدتيالتي أعددتها لتأبين الشهداء البررة والتي قلت في مطلعها:
نــداء يابني وطني نــداء*****دم الشهداء يذكره الشبــاب
وهل نسلوا الضحايا والضحايا*****بهم قد عز في مصر المصاب
شبـــاب برَّ لم يفْرِق.. وأدى*****رسالته، وها هي ذي تجاب
فلـم يجبن ولم يبخل وأرغى*****وأزبد لا تزعزعـــه الحراب
وقــــدم روحه للحق مهرًا*****ومن دمه المراق بدا الخضاب
وآثر أن يمــــوت شهيد مصر*****لتحيا مصر مركزها مهاب
مع الشعراء
وللشيخ الشعراوي ذكريات مع الشعراء والأدباء، شهدت معارك أدبية ساخنة، وكان للشيخ فيها مواقف لا تنسى.
يقولالشيخ: حدث أيام الجماعة الأدبية التي كنت أرأسها حوالي عام 1928.. والتيكانت تضم معي أصدقاء العمر الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي ـ أطال اللهعمره ـ والمرحوم محمد فهمي عبد اللطيف وكامل أبو العينين وعبد الرحمنعثمان رحمه الله.. حدث أن كانوا على صلة صداقة مع شاعر مشهور وقتها بطولاللسان والافتراء على أي إنسان اسمه عبد الحميد الديب، صاحب قصيدة "دعالشكوى وهات الكأس واسكر".. والذي لم يسلم أحد من لسانه.. والذي كان يعيشعلى هجاء خلق الله إلى أن يمنحوه مالا.. وجاءت ذات ليلة سيرتي أمامه..وقال له الأصدقاء أعضاء الجماعة الأدبية عن كل ما أقرضته من قصائد شعرية..فرد وقال: الشيخ الشعراوي شاعر كويس.. ولكن لا يصح أن يوصف بأنه شاعر..ولما سألوه: لماذا؟.. قال: إن المفترض في شعر الشاعر أن يكون مجودا في كلغرض.. وهو لم يقل شعرا في غرضين بالذات ولما حكوا لي عن هذا الذي قالهالشاعر محجوب عبد الحميد الديب.. قلت لهم: أما أنني لم أقل شعرا فيالغزل.. فأرجو أن تبلغوه بأنني أقرضت الشعر في الغزل أيضا.. لكنه غزلمتورع.. وانقلوا إليه الأبيات عني.. والتي قلت فيها:
مــن لم يحركه الجمال فناقـص تكوينه*****وسوى خلق الله من يهوي ويسمح دينه
سبحان من خلق الجمال والانهزام لسطوته*****ولهذا يأمرنا بغض الطرف عنه لرحمته
مـن شاء يطلبه فلا إلا بطــهر شريعته*****وبذا يدوم لنـا التمتــع ها هنا وبجنته
وأماعن الهجاء فقلت لأصدقائي: إنني لا أجد موضوعا أتناوله إلا أن أهجو عبدالحميد الديب نفسه.. ولن أشهر به.. ولكن فليأت إلينا.. ويجلس معنا.. وأقولله أنني سوف أهجوك بكذا وكذا.. ثم أخيره بعد ذلك أن يعلن هجائي له أو لايعلنه.. وقد تحداني وقدم إلى منزلي بباب الخلق وسألني: ما الذي سوف تقولهفي عبد الحميد الديب يا ابن الشعراوي؟ فقلت له: والله لن أقول شعري فيهجائك لأحد إلى أن تقوله أنت وأنا أقطع بأنك لن تكرر على مسامع الناسهجائي لك.. وبالفعل ما سمعه عبد الحميد الديب مني في هجائه لم يستطع ـ كماتوقعت ـ أن يكرره على مسامع أحد.. ولذلك كنت الوحيد من شلة الأدباء الذيسلم من لسانه بعدها. لأنه خاف مني وعلم قوتي في شعر الهجاء أيضا.. ومن هناترسخ يقيني بأن التصدي للبطش والقوة لا يكون إلا بامتلاك نفس السلاح..سلاح القوة ولكن بغير بطش..
أشعار ومناسبات
ويقول الشيخ عنأشعاره في المناسبات المختلفة: كنا في كل مناسبة نعقد ندوات ونلقيبالأشعار، وكان هذا مبعث نهضة أدبية واسعة في زماننا.. كانت معينا لا ينضبلغذاء القلب والعقل والروح لا يفرغ أبدا.. وأذكر من هذه الأيام أن كنانحيي في قريتنا ذكرى الوفاء الأولى لرحيل حبيب الشعب سعد زغلول. وطلب منيخالي أن أقرض أبياتا في تأبين الزعيم.. فقلت على ما أذكر:
عام مضى وكأنه أعوام*****يا ليته ما كان هذا العام
ويومها قال لي خالي ومن سمعوني: يا آمين.. قلت وأوجزت.. وعبرت.. عما يجيش في صدور الخلق.
قالوا عن الشيخ الشعراوي
فقدالعلماء بالموت خسارة إنسانية كبرى، إن الناس يحسون عندئذ أن ضوءا مشعا قدخبا، وأن نورا يهديهم قد احتجب، ولقد كان هذا شيئا قريبا من إحساسنا بموتالشيخ محمد متولي الشعراوي يرحمه الله تبارك وتعالى.
كان أول ظهور له على المستوى العام "في التليفزيون" هو ظهوره في برنامج "نور على نور" للأستاذ أحمد فراج.
وكانت الحلقة الأولى التي قدمها عن حلية رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
كانتالحلقة تتحدث عن أخلاق الرسول وشمائله، ورغم أن هذا الموضوع قديم كتب فيهالكاتبون، وتحدث فيه المتحدثون، إلا أن الناس أحسوا أنهما أمام فكر جديدوعرض جديد ومذاق جديد.. لقد أحسوا أنهم يسمعون هذا الكلام لأول مرة.
ولعلهذه كانت أول مزية للشيخ الشعراوي، إن القديم كان يبدو جديدا على لسانه،أيضا أشاعت هذه الحلقة إحساسا في الناس بأن الله يفتح على الشيخ الشعراويوهو يتحدث، ويلهمه معاني جديدة وأفكارا جديدة.
بعد هذا القبولالعام انخرط الشيخ الشعراوي في محاولة لتفسير القرآن وأوقف حياته على هذهالمهمة؛ ولأنه أستاذ للغة أساسا كان اقترابه اللغوي من التفسير آية منآيات الله، وبدا هذا التفسير للناس جديدا كل الجدة، رغم قدمه ورغم أنتفسير القرآن قضية تعرض لها آلاف العلماء على امتداد القرون والدهور، إلاأن تفسير الشيخ الشعراوي بدا جديدا ومعاصرا رغم قدمه، وكانت موهبته فيالشرح وبيان المعاني قادرة على نقل أعمق الأفكار بأبسط الكلمات.. وكانتهذه موهبته الثانية.
وهكذا تجمعت القلوب حول الرجل وأحاطته بسياجمنيع من الحب والتقدير.. وزاد عطاؤه وزاد إعجاب الناس به، ومثل أي شمعةتحترق من طرفيها لتضيء مضي الشيخ الشعراوي في مهمته حتى اختاره الله إلىجواره.. عزاء لنا وللأمة الإسلامية.
"أحمد بهجت"
إن الشيخالشعراوي عليه رحمة الله كان واحدًا من أعظم الدعاة إلى الإسلام في العصرالذي نعيش فيه. والملكة غير العادية التي جعلته يطلع جمهوره على أسرارجديدة وكثيرة في القرآن الكريم.
وكان ثمرة لثقافته البلاغية التيجعلته يدرك من أسرار الإعجاز البياني للقرآن الكريم ما لم يدركه الكثيرونوكان له حضور في أسلوب الدعوة يشرك معه جمهوره ويوقظ فيه ملكات التلقي.ولقد وصف هو هذا العطاء عندما قال: "إنه فضل جود لا بذل جهد". رحمه اللهوعوض أمتنا فيه خيرًا.
د."محمد عمارة"
إن الشيخ الشعراوي قدقدم لدينه ولأمته الإسلامية وللإنسانية كلها أعمالا طيبة تجعله قدوة لغيرهفي الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
د."محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر"
فقدتالأمة الإسلامية علما من أعلامها كان له أثر كبير في نشر الوعي الإسلاميالصحيح، وبصمات واضحة في تفسير القرآن الكريم بأسلوب فريد جذب إليه الناسمن مختلف المستويات الثقافية.
د."محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف"
إنالشعراوي أحد أبرز علماء الأمة الذين جدد الله تعالى دينه على يديهم كماقال الرسول صلى الله عليه وسلم: [إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائةسنة من يجدد لها أمر دينها].
د."أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر"
إن الفقيد واحد من أفذاذ العلماء في الإسلام قد بذل كل جهد من أجل خدمة الأمة في دينها وأخلاقها.
"الشيخ أحمد كفتارو مفتي سوريا"
إنالجمعية الشرعية تنعى إلى الأمة الإسلامية فقيد الدعوة والدعاة إمامالدعاة إلى الله تعالى، حيث انتقل إلى رحاب ربه آمنا مطمئنا بعد أن أدىرسالته كاملة وبعد أن وجه المسلمين جميعًا في مشارق الأرض ومغاربها إلى مايصلح شئون حياتهم ويسعدهم في آخرتهم. فرحم الله شيخنا الشعراوي رحمة واسعةوجعله في مصاف النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاوجزاه الله عما قدم للإسلام والمسلمين خير الجزاء.
د."فؤاد مخيمر رئيس عام الجمعية الشرعية"
لاشك أن وفاة الإمام الراحل طيب الذكر فضيلة الشيخ الشعراوي تمثل خسارةفادحة للفكر الإسلامي والدعوة الإسلامية والعالم الإسلامي بأسره، فقد كانرحمه الله رمزًا عظيمًا من رموز ذلك كله وخاصة في معرفته الشاملة للإسلاموعلمه المتعمق وصفاء روحه وشفافية نفسه واعتباره قدوة تحتذى في مجال العلموالفكر والدعوة الإسلامية وإن حزننا لا يعادله إلا الابتهال إلى الله بأنيطيب ثراه وأن يجعل الجنة مثواه.
"د. أحمد هيكل وزير الثقافة السابق"
لاينبغي أن نيأس من رحمة الله والإسلام الذي أفرز الشيخ الشعراوي قادر علىأن يمنح هذه الأمة نماذج طيبة وعظيمة ورائعة تقرب على الأقل من الشيخالشعراوي ومع ذلك نعتبر موته خسارة كبيرة، خسارة تضاف إلى خسائر الأعوامالماضية أمثال أساتذتنا الغزالي وجاد الحق وخالد محمد خالد. وأخشى أن يكونهذا نذير اقتراب يوم القيامة الذي أخبرنا الرسول (صلى الله عليه وسلم) أنمن علاماته أن يقبض العلماء الأكفاء الصالحون وأن يبقى الجهال وأنصافالعلماء وأشباههم وأرباعهم فيفتوا بغير علم ويطوعوا دين الله وفقا لضغوطأولياء الأمور ويصبح الدين منقادًا لا قائدًا.
ونسأل الله أن يجنب الأمة شر هذا وأن يخلفها في الشيخ الشعراوي خيرًا.
"د. عبد الحليم عويس أستاذ التاريخ الإسلامي"