مقال يستحق القراءة
سنة1900 حاجة و80 كان عندي شوية سنين ما يتعدوش الخمستاشر.. قررت أكتب مذكراتي، وكان الغرض الرئيسي من ورا كتابتها إني أودي الناس كلها في داهية لما انشرها.. ما هي دي كانت كل معلوماتي عن كتابة المذكرات.. إن الكلام اللي مكتوب فيها بيودي الناس اللي مكتوب عنهم في داهية.. واللي بيكتبها بيتقتل في الآخر.. علشان كده كنت هامضيها باسم واحد صاحبي بيحب يتقتل..
المهم..بعد قرار كتابة المذكرات كان من الطبيعي إني أدور علي حاجة أكتب بيها..فاشتريت تلات «تقلام» «أحمر وأزرق وأسود».. الأحمر علشان أكتب بيه أسماءالناس اللي هايروحوا في داهية علشان تكون أساميهم واضحة لما البوليس يقلبفي الأجندة لأنه مش هايكون عنده وقت يقرا كل اللي مكتوب فيها.. والأزرق أكتب بيه عمايلهم الزرقة اللي هايروحوا في داهية بسبب زرقانها.. والأسود بقي هاكتب بيه نهايتهم السودة.. وبعد ما اشتريت «الأقلام» اللي هاكتببيها.. كان فاضل اشتري حاجة أكتب فيها.. فكانت الأجندة «الخضرا»..
وصحيت الصبح يوم 1900/1/1 حاجة و80 بعد ما نمت بدري قبلها بيوم عشان أصحي بدري آخد اليوم من أوله وأكتب قبل مايفوتني حاجة.. جبت «الأقلام» اللي هاكتببيها والأجندة اللي هاكتب فيها.. وفتحت الأجندة علي أول صفحة، وبصيت للأقلام الثلاثة المحطوطين قدامي علي المكتب.. احترت أمسك أنهي قلم..الأحمر وألا الأزرق والا الأسود.. مسكت الأحمر.. طب اكتب اسم مين.. ده لسه مافيش حد عمل حاجة.. أنا الوحيد عملت - إني صحيت من النوم- طب أكتب اسمي!مش معقول أبقي أول واحد أوديه في داهية أنا.. وصحياني من النوم عادي.. لافيه فعل أزرق ولا نهاية سودة.. بالعكس دي بداية يوم وبداية مذكرات.. فكان لازم آلاقي قلم بلون محايد أكتب بيه.. فتحت درج المكتب لقيت قلم رصاص مبري..
مسكته وبصيت لأول صفحة وكتبت..«بسم الله الرحمن الرحيم.. إنه يوم الجمعة الموافق 1900/1/1 حاجة و80استيقظت من النوم في تمام الساعة العاشرة صباحا لكي أبدأ في كتابة مذكراتي.. فجلست علي مكتبي ونظرت إلي الأقلام أمامي.. الأحمر والأزرق والأسود.. واحترت في اختيار واحد منها.. ففتحت درج مكتبي، فوجدت قلما«رصاص» فأمسكت به، وفتحت أول صفحة من الأجندة ونظرت لها ووجدت نفسي أكتب..
بسم الله الرحمن الرحيم.. إنه يوم الجمعة الموافق 1900/1/1 حاجة و80 استيقظتمن النوم في تمام الساعة العاشرة صباحا لكي أبدأ في كتابة مذكراتي.. فجلستعلي مكتبي ونظرت إلي الأقلام أمامي.. الأحمر والأزرق والأسود.. واحترت في اختيار واحد منها.. ففتحت درج مكتبي، فوجدت قلما «رصاص»، فأمسكت به وقلب أول صفحة من الأجندة، ونظرت لها ووجدت نفسي أكتب..بسم الله الرحمن الرحيم.. إنه يوم الجمعة الموافق 1900/1/1 حاجة و80 استيقظت من النوم..إيه ده؟ ده أنا باعيد نفس الكلام تاني..
اكتشفت إن المذكرات لازم لها أحداث.. يا إما الأجندة هاتخلص وأنا لسة في مكاني..والحدث الوحيد اللي عملته إني صحيت من النوم، وقعدت علي المكتب وبصيت إليأقلامي.. الأحمر والأزرق والأسود، واحترت في اختـ.. يا دي النيلة أناهاعيد نفس الكلام برضه؟! سيبت القلم الرصاص، وقلت لازم يبقي في أحداث اتحط فيها وأكتب عنها وعني.. وابتديت فعلا رحلة البحث عن الأحداث.. رحلة ابتدت من وقتها لحد النهاردة.. أحداث تشيلني وأحداث تحطني.. أحداث قصيرةت فرحني.. وأحداث طويلة تكئيبني.. مواقف حلوة بتعدي بسرعة البرق.. ومواقف حقيرة زي الشلالات مبتخلصش.. لحظات تمر كأنها سنين.. وسنين تفرط من عمرك كأنها ثواني.. رحلة طويلة لم تنته حتي هذه اللحظة.. رحلة خلصت فيها ورقلأجندات كتير.. إشي خضرا وحمرا.. ومن بعديهم لبني وسودة ونبيتي تحفة وكلهولا البني.. ولو شوفتوا بقي الزرقة.. تجنن.. كل الألوان.. أجندات لكل السنين..
من أول 1900 حاجة وتمانين.. لحدالنهاردة.. وفجأة مش عارف إيه اللي خلاني أجيب كل الأجندات اللي كتبتها،وقعدت أقلب وأقرا بين أيامها المتنتورين علي صفحاتها اللي كانوا مبيضين وبقوا مزرقين علي محمرين.. ابتديت بالأجندة «الصفرا».. ومش هاقولكواالأجندة كانت بتاعت سنة كام.. لأني اكتشفت إن ترقيم السنين مبيغيرش كلامكان مكتوب بقلم رصاص ابتدي بسن رفيع وانتهي بخط تخين.
«الأجندةالصفرا».. سنة من السنين.. صفحة 56.. مكتوب فيها: «بسم الله الرحمن الرحيم.. مقهي صغير يجلس عليه بعض المسنين.. كانوا بيتكلموا عن حنية وطيبةأيام زمان.. لما كان مافيش ولا دار للمسنين.. لما كان الابن والبنت حنينين.. عم متولي أب قديم عنده من السنين ييجي خمسة وسبعين.. شفط شفطة من الشاي، وقال لصديقه عم إبراهيم: إنت عارف يا إبراهيم الوحدة مخلياني ميت بالحيا.. نفسي خيري إبني يقولي تعالي أقعد معايا كام يوم .. عارف يا إبراهيم.. أنا مش هاروح.. بس نفسي يقولها.. إبراهيم قاله: متزعلش.. خلاص فاضل شهر ولا اتنين ويفتتحوا أول دار للمسنين.. يااااااااه يا خيري».
«الأجندةالزرقا».. صفحة 67.. مكتوب فيها: «أستغفر الله العظيم.. قالها الأستاذ جرجس لما قطعوا الشجرة اللي كانت بتظلل علي عربيته التمانية وعشرين..أصلهم كانوا عايزين يطلعوا بالدور العشرين، وخلاط الأسمنت مش عارف يقف غيرفي الحتة اليمين بين الممرين.. اللي فيها شجرة الياسمين.. فقطعوا الشجرةوطيروا العصافير اللي كانوا فيها معششين.. يااااااااه يا شجرة الياسمين».
الأجندة«الحمرا».. صفحة 73.. مكتوب فيها: «حسبي الله ونعم الوكيل.. قالها شاب أسمر صعيدي لما شاف بنتين ببنطلونين محزقين من ضهرهم ماشيين.. سبقهم بخطوته علشان يغض العين.. شاف وشوشهم لقاهم شابين بشنبين.. متبنتين.. راحم أخر خطوته عشان مايشوفش وشهم اللعين.. وقال كنفسه ياريتني ما سبقتهم،وفضلت فاكرهم بنتين متحزقين.. يااااااه ياعين».
الأجندة«المحمحي».. صفحة 82.. مكتوب فيها: «لا حول ولا قوة إلا بالله.. لإمتي هانفضل ساكتين.. ولا هو يعني علشان ليه كرش سمين يقوم يعمل اللي عايزهوياخد حقنا ويخرج منها صاغ سليم.. أمال فين السين والجيم.. ولا الحرفيندول مخلوقين للسكات والجحيم.. فين قانون العدل يا محترمين.. ارحمونا منأبو كرش سمين.. ده دخل القسم وخرج منه زي الشعرة م العجين.. إن كان هو بنيآدم طب ما إحنا كمان بني آدمين.. ومخلوقين زيه من طين.. ولا دي كمانها تغيروها يا واصلين.. يااااااااه يا ساكتين».
الأجندة«الفحلقي».. صفحة 95 مكتوب فيها: «أعوذ بالله.. ده انت لو كافر يا أخي هاتكون أحن من كده.. دول ولاد أختك اليتامي المحتاجين.. واكل فلوسهم وعاملنفسك عليهم وصي وأمين.. وإنت حرامي وبتقول ولا الضالين آمين.. وأنا لسة سامعك بودني لخامس مرة بتسب الدين.. يااااااااه يا دين».
الأجندة«الفزدقي».. صفحة 103 مكتوب فيها: «وإحنا فايتين علي الحدود مستمرين في الصعود.. اختفي النيل الجميل من تحتنا.. والمدن والريف.. وأول عمرنا..وابتدي شيء ينجرح.. جوة القلوب.. وابتدينا أسئلة مالهاش ردود.. نمنا عـالشباك نخبي دمعة فرت مننا.. يا سلااااام علي فرقة الأصدقاء.. صحيح.. فين النيل والريف؟ فين عمرنا؟ وفين ردود الأسئلة؟ لإمتي هاتفضل تفر الدموع مننا.. يااااااااه.. أصدقاء».
الأجندة«البندقي».. صفحة 107.. مكتوب فيها: «بجنيه عيش.. بجنيه فول.. بجنيهطعمية.. بجنيه جبنة «أريش».. وربع جنيه شاي.. وربع زيت للفول.. ومش مهم الملح.. مر الأيام غانينا عنه.. ومش مهم الشطة.. كفاية حُرقة الفقرملهلبانا.. وربع جنيه سيجارتين واحدة الصبح والتانية بالليل في البلكونة..يبقي كده كام في اليوم يا عبد الرازق؟ أربعة جنيه خمسة وسبعين قرش.. قول خمسة جنيه بالعلاج والعلام والفسح.. إضرب بقي في تلات طقات.. يعني خمستاشرجنيه في اليوم يا عبد الرازق.. في تلاتين.. يعني ربعمية وخمسين جنيه فيالشهر يا عبد الرازق.. كتير.. طب احسب علي طقتين كده.. يبقي تلتميت جنيه في الشهر يا عبد الرازق.. طب لو طقه؟! يبقي ميه وخمسين في الشهر يا عبدالرازق.. طب مافيش حاجة أقل من طقه؟! فيه.. إنك تطق تموت يا عبد الرازق..يااااااااه.. أخيرا اتحلت».
الأجندة«البنفسجي».. صفحة 109 مكتوب فيها: «إنا لله وإنا إليه راجعون.. مات وهوبيشرب.. كان بيشرب ميه وشرق مات.. حد يصدق.. ده كان بصحته وعافيته.. كانزي الفل طول بعرض.. إيه اللي شرّقه وموّته؟.. أكيد حد جاب في سيرته فشرقمات.. حد!.. زي مين؟.. أي حد بيكرهه.. هو في حد بيكره؟ يااااااااه.. كتير.
لقيت في أجنداتي أسامي كتير محمرين.. وآلافات السطور مزرقين.. ومافيش ولا نهايةمن النهايات المسودين.. الأقلام «الحمر» في درج مكتبي كتير فاضيين..والأقلام الزرقة أنابيبهم مبيضين.. أما القلم الأسود اليتيم اللي من سنة حاجة وتمانين.. زي ما هو.. لا كتب حرف ولا كلمة ولا جملة علي أي حد مناللي أساميهم محمرين وأفعالهم مزرقين.. مع الزمن اتمسح الكلام اللي مكتوب بالرصاص.. وفضلت الأسامي الحمر علي ورق الأجندة متفرقين.. وسطور زرقة متجمعين زي كتل الدم في الجسم الأبيض محبوسين.. أما النهايات السودة ماتكتبتش.. أكتبها إزاي إذا لم تذكرها السنين.. وآخر أجنداتي كانت الأجندة البمبي أم سوستة.. بتاعة سنة 2000 و9.. حطتها فوق الرف مع إخواتها القدام الملونين.. وأبدأ سنة 2000 و10 بسم الله الرحمن الرحيم.. وأجندة جديدةوقلمين تانيين.. أحمر وأزرق مليانين
أحمد حلمى